مقالات وتحقيقات

المرأة ونظرية الغرس الثقافي

نهاد كامل

المرأة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، وهي الوسط الإنساني الأول الذي ينشأ فيه الطفل ويتعلم من خلالها نمط الحياة وأبجديات ثقافة التعايش مع الآخرين، لذا فإنَّ الاهتمام بالمرأة هو اهتمام بالأسرة وهو اهتمام المجتمع وبالوطن. لذلك فإن استقرار الأسرة يعني استقرار المجتمع والوطن أيضا وإذا صحّت الأسرة صح المجتمع والوطن والعكس صحيح أيضا.

بعد زوال نظام صدام حسين الدكتاتوري في عام 2003، شهد العراق تحولات جذرية على مستوى الانفتاح الاجتماعي والسياسي والديني والحضاري، ما شكَّل تحديًا كبيرًا للمرأة العراقية، ولاسيما على مستوى بناء نفسها أولًا وبناء جيل قادر على اكتساب القيم والاندماج الاجتماعي والإصلاح والتغيير السياسي، وإيجاد حلول لمشاكل الفئة الشابة في العراق، وذلك من خلال التربية بمفهومها الواسع وأنواعها، سواء منها السياسية الوطنية أم الإدارية أم الصحية أم البيئية التي تبني الإنسان عقلياً ونفسياً وجسدياً. زد على ذلك معالجة هذه المشاكل من خلال التعليم، وتحديث المناهج الدراسية وفقاً لمتطلبات الحداثة وحاجات السوق وإكساب المهارات العملية والتركيز على التكنولوجيا.

وبالتالي، لا تقتصر مهمة توعية المرأة العراقية على نفسها أو أهلها أو زوجها أو حتى أولادها، ولا تقتصر على المدرسة أو المعهد الفني أو الجامعة، فلا بدَّ من تعريفها على حقوقها المدنية والسياسية والاجتماعية، وإكسابها الوعي الكافي والقدرة اللازمة على تحقيق أهدافها في الحياة، سواء منها الشخصية أم العملية.

وبالرجوع الى نظرية الغرس الثقافي Cultivation Theory  والتي يعود ظهورها إلى سبعينات القرن الماضي، حين قام جورج جرينر G.Gerbner وزملاؤه بطرح هذه النظرية التي ترجع اصولها إلى مفهوم ولتر ليبمان W. Lipman للصورة الذهنية،. فتوصل جرينر إلى ان التلفزيون اصبح وسيلة مهمة يعتمد الكثير من الجمهور عليها في تكوين آرائهم حول الواقع الذي يعيشونه، واهم قضاياه. فالتلفزيون يمتلك القدرة السحرية على تحويل قضية ما إلى قضية رأي عام ويجعل منها بالغة التأثير. وتوصل جرينر إلى ان العلاقة بين التعرض للتلفزيون والأفكار والقيم والتصورات علاقة طردية، من حيث عدد ساعات المشاهدة، ومن حيث مضمون   البرنامج التلفزيوني (خاصة العنف)، لهذا اهتم جرينر بتحليل محتوى الرسائل الإعلامية Message System Analysis. فأصبح الواقع المدرك من التلفزيون أقوى من الواقع الخارجي نفسه، وأصبحت الشاشة هي المتحكمة إلى حد ما بالعالم الممتد ما ورائها. لهذا قامت نظرية الغرس على فرضية كبرى تقول: إن الأفراد الذين يتعرضون لمشاهدة التلفزيون بدرجة كبيرة، وبشكل منتظم، يكونون اكثر قابلية لتبني معتقدات عن العالم الاجتماعي تتطابق مع الصور الذهنية والنماذج التي رسخها في أذهانهم التلفزيون، أكثر من الأفراد الذين يتعرضون لمشاهدة منخفضة للتلفزيون.
ركزت نظرية الغرس الثقافي على دخول التلفزيون كاحد مصادر عملية التنشئة الاجتماعية، فاغلب اطفال العالم يشاهدون التلفزيون، ولساعات طويلة، ومنذ بداية اعمارهم، فيتأثرون بما يعرضه لهم من نماذج مكررة، وأدوار اجتماعية مختلفة، ومن محتوى، خاصة مشاهد العنف. وهذه النقطة شهدت اهتمام غرينر بتحليل الغرس الثقافي وفقا للعلاقة بين التعرض للرسائل التلفزيونية وإدراك الجمهور لعالمهم الاجتماعي.
إن العلاقة بين الغرس الثقافي والتنشئة الاجتماعية عززت فرضيات جرينر حول تراكمية عملية الغرس وتأثيرها العميق، الذي يصل إلى صناعة الصور الذهنية ويستبطن المعاني العميقة، التي يمكن ان تكون ذات صلة برؤية العالم عند الأفراد والجماعات الخاصة بمعرفة وفهم العالم ككل. لهذا ذهب عدد من العلماء المعاصرين المؤمنين بنظرية الغرس الثقافي إلى الاعتقاد أن تغير وسائل الاعلام من التلفزيون إلى الوسائل الحديثة كالموبايل – وهو ما لم يتناوله جرينر وزملاؤه- بما يحمل من برامج وتطبيقات لم يؤثر في القدرة التفسيرية لما جاءت به نظرية الغرس. فعملية الغرس لا تتأثر بنوع الوسيلة، بل بالمحتوى المقدم.

أن التقدم التكنولوجي الحديث في وسائل الاعلام الرقمية فرض على المرأة العراقية الكثير من التحديات في ظل نظرية الغرس الثقافي نجملها بالاتي :

  • وجود شريك ثالث في تربية الابناء من غير العائلة و المدرسة وهو الموبايل والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لاسيما اليوتيوب والالعاب الرقمية .
  • الادمان الرقمي ولساعات طويلة على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الوالدين او الابناء .
  • نشاهد في رمضان تنوع المحتوى الدرامي للمسلسلات العراقية والعربية والبرامج المنوعة والتي ترتكز معظم احداثها على مشاهد العنف أو الخيانة الزوجية.

يكمن الحل الوحيد من وجهه نظرنا في السعي من قبل الاسرة ولاسيما المرأة في الابتعاد قدر الامكان من استخدام الموبايل وتقليل التعرض للمشاهد التلفزيونية وصولاً الى تحفيز الابناء على ممارسات هويات كثيرة داخل البيت مثل الرسم والتلوين او الاشتراك في المسابقات العلمية الهادفة تحقيقاً للهدف الاسمى وهو بناء جيل قادر على مواجهة التحديات في البيئة الاتصالية الحديثة .

قناديل نيوز
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى